عندما يتعلق الأمر بالسيارات بدون سائق، قررت شركات صناعة السيارات الكبرى التحوط في رهاناتها، لكن “جوجل” تطمح لما هو أفضل.
شركة الإنترنت، التي أشعلت تظاهرتها الخاصة بتكنولوجيا القيادة بدون سائق عام 2010 اهتماما واسعا في قطاع السيارات، مصممة على الرهان بكل شيء أو لا شيء.
يقول كريس إيرمسن، رئيس مشروع السيارات ذاتية القيادة في “جوجل”، “هذه فكرة ربما تبدو غريبة، على ما أظن، لكن مهمة فريقي هي تحسين حياة الناس من خلال تحويل القدرة على الحركة والتنقل”.
أصبح التناقض الصارخ بين وادي السليكون وقطاع صناعة السيارات واضحا في الأسابيع الأخيرة، بعدما أظهرت شركات صناعة السيارات أحدث تجارب القيادة التي تتمتع باستقلال ذاتي.
واشتملت هذه على وقوف السيارات الذاتي لـ “بي إم دبليو”، استجابة للمسة على الساعة الذكية، وأول محاولة من أودي للقيادة الآلية لمسافات طويلة على الطرق السريعة، ومفهوم ديملر الطموح للقيادة الذاتية “شرنقة”.
كانت هذه التظاهرات جزءا مما تأمل الشركات المصنعة التقليدية أن يكون تقدما مطردا في الوقت الذي تتوغل فيه التكنولوجيا على نحو متزايد في المناطق التي هي الآن تحت السيطرة الكاملة للسائقين البشر، تماما مثل أنظمة الطيار الآلي في الطائرات.
هذا النوع من التحسن التدريجي ليس موجودا في جينات “جوجل”. يقول إيرمسن، “لن نصل إلى هناك عن طريق بيع ميزة ستكون لدى كونتيننتال أو بوش أو دلفي بعد ذلك بعام. ليس هذا ما نحن مهتمون به”.
و”جوجل” ليست وحدها. أوبر، شركة سيارات الأجرة التي تسهم فيها “جوجل”، هي الأحدث في الانضمام إلى سباق تطوير المركبات الروبوت. هذا الشهر أعلنت عن مختبرات أبحاث خاصة بها.
والنهجان يبرزان شهية مختلفة للمخاطر، فضلا عن الاحتياجات التجارية المتفاوتة. “جوجل” لديها أموال ضخمة للاستثمار في المشاريع المستقبلية، في حين إن شركات صناعة السيارات تفضل الاستفادة من العلاوة التي تحصل عليها من بيع السيارات مع أحدث التطورات في التكنولوجيا ذاتية القيادة. وهناك أيضا اختلافات حول المكان الذي تتجه إليه هذه التكنولوجيا.
يقول راجناثان راجكومار، وهو أستاذ في جامعة كارنيجي ميلون مختص في هذا المجال، “إن سيارات الروبوت الكاملة هي أنموذج جذاب جدا. والسؤال المهم هو كيف سيكون شعور الأجهزة المنظمة تجاه السيارات التي تقود نفسها بنفسها”. ويصف خطة “جوجل” بأنها “هدف جدير بالثناء”، لكنه يقول أيضا “إن ذلك بعيد بمقدار خمس سنوات على الأقل من حيث الانتشار العملي، ما يجعل من تكنولوجيا مساعدة السائق التي تسعى إلى تحقيقها شركات صناعة السيارات نقطة انطلاق ضرورية”.
لكن وفقا لـ “جوجل” قد يكون ذلك من الخطأ. إيرمسن، عضو هيئة التدريس السابق في معهد الروبوتات في جامعة كارنيجي ميلون، يثني على التكنولوجيا التي يجري تطويرها من قبل شركات صناعة السيارات، لكنه يرفض بأدب طموحها المحدود ويشكك في مدى قدرتها أصلا على الانتقال من مساعدة السائق إلى سيارات الروبوت بالكامل.
ويقول “هناك كثير من الأشياء الرائعة حقا، هذا أمر لا شك فيه”، واضعا “أودي” و”بي إم دبليو” و”مرسيدس” و”فورد” و”جنرال موتورز” في قائمة الشركات التي حققت تقدما. لكنه يعتبر “من القصور” رؤية تكنولوجيا مساعدة السائق باعتبارها نقطة ضرورية في طريق ما لدى “جوجل”: سيارة مستقلة تماما.
وقال “هناك في الواقع خطوة متميزة عندما تتحول المسؤولية من السائق إلى (…) نظام القيادة الذاتية”.
مقامرة “جوجل” الخاصة بإمكانية تحقيق قفزة للمركبات الذاتية التحكم بالكامل تأتي في الوقت الذي أصبحت فيه “وول ستريت” تشعر بالقلق على نحو متزايد من الرهانات طويلة المدى وباهظة الثمن التي تقوم بها المجموعة. وفي علامة على أنها بدأت الالتفات إلى مخاوف المساهمين، قال تنفيذي في الشركة الشهر الماضي “إن إعادة النظر في جلاس، مشروع النظارات الذكية المثير للجدل، أظهر أن “جوجل” كانت مستعدة للتصرف بحذر”.
ولا يناقش إيرمسن المبلغ الذي تنفقه “جوجل” على السيارات بدون سائق، أو ما هي المواعيد المرحلية المهمة التي حددها، لكنه متفائل بفرص الشركة في الوصول إلى هدفها.
وأحد المعايير لذلك هو المعيار الاقتصادي. فقد تراجعت تكاليف أجهزة الاستشعار المدمجة في السيارة بشكل مطرد، كما يقول، بما في ذلك أجهزة الاستشعار التي تسيطر عليها أشعة الليزر التي توجد على قمة المركبات وتكلف مبدئيا 75 ألف دولار لكل منها.
ويضيف “لسنا واهمين – تركيب جهاز ليزر بقيمة 75 ألف دولار فوق السقف ليس هو الطريق إلى الإنتاج”.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت التكاليف قريبة من جعل السيارة مجدية تجاريا، يقول “نعم” بصوت لا لبس فيه، مضيفا، “نحن لا نستخدم التيتانيوم في أي شيء، لذلك لا نرى مشكلة في الوصول إلى نقطة يمكن عندها التحكم في التكلفة”.
ويقدر البروفيسور راجكومار أنه في غضون ثلاث سنوات ستكون “جوجل” قادرة على خفض تكلفة التكنولوجيا إلى ما بين عشرة آلاف و15 ألف دولار لكل سيارة – وهو المستوى الذي يمكن أن يجعلها ضمن التيار العام للسيارات.
وما إذا كان من الممكن أن تحول “جوجل” تجربتها الجريئة إلى نجاح تجاري يعتمد أيضا بشكل كبير على إيجاد أنموذج أعمال يناسب كلا من هيكل التكاليف والاستخدام المقصود للسيارة.
وستحتاج الشركة إلى حلفاء في صناعة السيارات لبناء سيارتها. لكن على الرغم من عقد مناقشات مع شركات من قبيل تويوتا وفولكسفاجن وجنرال موتورز، لم يتم بعد جلب هؤلاء الحلفاء. ويعتبر بعضهم أن شركات صناعة السيارات العريقة مترددة في التعامل مع “جوجل”.
ويشير إيرمسن إلى سوق محتملة من بيع التكنولوجيا لشركات صناعة السيارات. ويقول “تستطيع أن تتصورنا ونحن نزود التكنولوجيا المثيرة للاهتمام إلى شركات صناعة السيارات. لدينا بعض الأشياء التي هي اليوم فريدة من نوعها إلى حد ما”. ويضيف “يمكن أن تتصور أننا ندير خدمة مشاركة الركوب، يمكن أن تتخيل كثيرا من الأشياء”.
المختصون الأكثر حذرا، مثل البروفيسور راجكومار، يعتقدون أن الأمر سيستغرق سنوات لسد جميع الثغرات الفنية التي تحتاج إلى التعامل معها قبل السماح بسير سيارات الروبوت بأمان على الطرق العامة.
وكانت مثل هذه الثغرات واضحة عندما انحرفت إحدى مركبات لكزس ذاتية القيادة التابعة لـ “جوجل” ببطء نحو مبنى مختبرات X للشركة في الشهر الماضي. وظهر التنبيه بصوت عال فجأة داخل السيارة وترنحت إلى اليمين قبل أن ينتهي بها الأمر إلى توقف مفاجئ.
هذا الاندفاع جعل البشر في المقعد الأمامي، الموجودين لمراقبة التكنولوجيا، مفزوعين. وفي الوقت الذي تضغط فيه “جوجل” قدما لتحقيق رهانات مستقبلية على المدى الطويل، يأمل مساهموها في أن تقدم مثل هذه الحوادث شيئا أكثر من متاعب التسنين.
المصدر: Financial Times
المصدر #عربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق