الخميس، 30 يونيو 2016

ثورة الخروج البريطاني

هاشتاق عربي

ارولد جيمس*

لقد أطلقت المملكة المتحدة بتصويتها على الخروج من الاتحاد الأوروبي ثورة قوية لدرجة أنها ستهز – ويمكن أن تدمر – المشروع الأوروبي وبينما تمضي المملكة المتحدة قدما في تجربتها الاستثنائية في الديمقراطية التطبيقية، فإن مما لا شك فيه أنه ستكون هناك دعوات في أماكن أخرى في أوروبا – معظمها في الدول الشمالية مثل الدنمارك وفنلندا وهولندا والسويد- من أجل أن تحذو حذو بريطانيا.
لقد بني الاتحاد الأوروبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية كوسيلة من أجل التخلص أخيرا من إرث الصراعات العنيفة الذي أمتد لقرون عديدة في أوروبا. إن إنشاء دول قومية والطموحات المتنافسة لتلك الدول لعبت دورا مركزيا في حربين وحشيتين مما دفع بالأوروبيين لتبني سياسة التعاون الدولية كأساس للنظام السياسي الجديد وهو نظام كان يجب حمايته بأي ثمن.
ومن أجل تحقيق ذلك كان من المهم للغاية بناء هيئات تتجاوز الحدود الوطنية من أجل ربط الأوروبيين ببعضهم البعض وبإسم الإندماج كان من الضروري فرض قيود على الدول الأعضاء. لقد أصبحت المحاكم الأوروبية مسؤولة عن حماية حكم القانون كما زادت المؤسسات الجديدة مثل البنك المركزي الأوروبي من سيطرتها على الإقتصاد.
كنتيجة لذلك أصحبت أوروبا بسرعة مثل مربية الأطفال المزعجة التي تخبر الدول بإستمرار بالأشياء التي لا تستطيع عملها وذلك من محاولة الخروج من أزمة اقتصادية من خلال الانفاق إلى إعطاء المتقاعدين في تلك الدول الرواتب التي يستحقونها وعندما شعرت تلك الدول بإن قدرتها على التعامل مع التحديات الاقتصادية الضخمة التي تواجهها مقيدة، بدأت تلك البلدان بالإنقلاب على أوروبا حيث بدأ النشطاء المعادون للاتحاد الأوروبي وخاصة في الدول الأصغر مثل اليونان يقولون أن بلدانهم تعرضت لمعاملة غير عادلة وحتى قاسية وبدا أن حلم الإزدهار السهل من خلال الاندماج قد مات .
ثم جاءت مشاعر القلق المتعلقة بالهجرة والتنقل حيث شعرت الاقتصادات الفعالة مثل المملكة المتحدة بالقلق من تدفق العمال من الدول التي تعاني من صعوبات إقتصادية . إن متطلبات الاتحاد الأوروبي بإن تبقى جميع الدول الأعضاء مفتوحة للهجرة من الدول الأعضاء الأخرى جعل الاتحاد الأوروبي يبدو كمضيف حفلة مهووس يطلب من جميع الضيوف أن يتحدثوا لبعضهم البعض سواء أرادوا ذلك أو لم يريدوا ومن الواضح إن العديد من الأوروبيين ليس لديهم أي اهتمام بلقاء أناس جدد.
بالطبع بخلاف قيمة الصداقات الجديدة فإن اهمية الاندماج الاقتصادي ليست حكما شخصيا ولكن النشطاء المؤيدين للاتحاد الأوروبي في بريطانيا لم يستطيعوا التعامل مع قضية الهجرة بشكل واضح ومقنع فرئيس الوزراء ديفيد كاميرون أعلن بحماسة بإن أوروبا مهمة لإمن بريطانيا ولكنه أفتقد الشجاعة للقول بإن الهجرة جيدة لبريطانيا وبإن المؤسسات التي تحظى بإحترام كبير مثل مؤسسة الصحة الوطنية تعتمد بشكل كبير على الأجانب من الاطباء وحتى عمال النظافة.
على أي حال فإن أكثر عنصر مكروه للاندماج الأوروبي موجود في مكان آخر وهذا العنصر يتمثل في المؤسسات السياسية الوطنية والتي أصبحت غارقة في بحر الاتحاد الأوروبي لدرجة أنها بدت منعزلة عن شعوبها فلقد أصبح وزراء المالية يتحدثون بشكل أكبر مع وزراء المالية الآخرين مقارنة بزملائهم ناهيك عن الناخبين.
ومع إتباع جميع الأحزاب الرئيسية تقريبا لنفس الأسلوب فإن الوسيلة الوحيدة للناخبين للتعبير عن سخطهم كان التصويت للقوى المضادة للسلطة حيث جعل العديد من تلك القوى معارضة الاتحاد الأووروبي ركيزة أساسية لبرنامجهم ومؤخرا تخلت أعداد كبيرة من الناخبين التقليدين لحزب العمال في مايو 2015 عن حزبهم من أجل التصويت لحزب الإستقلال البريطاني والذي كان في طليعة حملة المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
في واقع الأمر حاول قادة السلطة منذ وقت طويل انقاذ أنفسهم بتشديد الانتقادات للاتحاد الأوروبي وتوجيه اللوم له بسبب مطالبته بان تطبق حكومات الدول الأعضاء سياسات لا تتمتع بالشعبية أو سياسات فاشلة ولكن هذا يجعل من الصعوبة بمكان التوصل لسياسات بديلة بينما في الوقت نفسه يجعل الناخبين يوجهون معارضتهم ضد الاتحاد الأوروبي نفسه.
على الرغم من أن أحزاب السلطة انتقدت الاتحاد الأوروبي فإنها عموما لم يغيب عن بالها فوائد العضوية وفي واقع الأمر خلال الاستفتاء البريطاني دعم الحزبان الرئيسيان في بريطانيا حملة "البقاء" على الرغم من خلافاتهما الداخلية وعلى الرغم من أن غالبية حزب العمال نشطوا في الحملة للبقاء في أوروبا كان زعيم الحزب جيرمي كوربن غير متحمس كثيرا للبقاء بينما كانت الانقسامات في حزب المحافظين أعمق بكثير.
إذن ذهب الناخبون البريطانيون إلى صناديق الإقتراع وهم يشعرون بإن الاتحاد الأوروبي قد خذلهم وبان قادتهم في بريطانيا غير قادرين على حماية مصالحم ما لم تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولكن كانت هناك مجموعة أخرى اعترض عليها الناخبون المؤيدون لخروج بريطانيا وهذه المجموعة هي مجموعة "الخبراء".
لقد حذر كل الإقتصاديين تقريبا بإن الخروج البريطاني سيكون له عواقب خطيرة وذلك من الصدمة المباشرة – في واقع الأمر إنخفضت قيمة الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى منذ 31 سنة- إلى التحديات التجارية طويلة المدى. لقد توقع جورج سورس حدوث أزمة مالية بينما سلط خبراء العلوم السياسية الضوء على الأمن والمخاطر الأخرى وحتى أن المسؤولين عن كرة القدم البريطانية جادلوا بإن الأندية البريطانية في وضع أفضل في أوروبا.
المشكلة هي أن الاستشهاد بأراء الخبراء كان ينطوي على الترفع والإزدراء بالنسبة للعديد من الناخبين ونظرا لأنه كان ينظر بالفعل للاتحاد الأوروبي على أنه مشروع يفيد النخب بشكل غير متناسب فربما هذا لم يكن هذا مفاجئا وكما يتم توبيخ طفل محبط من قبل مدير المدرسة المتعجرف فلقد قرر العديد من البريطانيين أن يتحدوهم.
لقد كان الدافع وراء التصويت البريطاني على الخروج هو الإحساس بإن النخب السياسية والاقتصادية كانت فاسدة وخاطئة فيما يتعلق بالعواقب المحتملة. إن هذه النظرية على وشك أن يتم اختبارها وذلك على خلفية من انعدام الثقة والانقسام . ان زمن الانتقادات المستمرة قد أنتهى والآن يجب أن يثبت أنصار الخروج البريطاني أنهم أتخذوا القرار الصحيح وذلك بالتوصل لحل عملي يدعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي البريطاني ولكن للاسف قد يجدون أنه لا يوجد بديل أفضل لأوروبا.

* المصدر صحيفة "الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.
استاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون وزميل تنفيذي في مركز ابتكار الحكم الدولي.



المصدر هاشتاق عربي

المصدر

0 التعليقات:

إرسال تعليق