هاشتاق عربي
شكّلت الأجهزة الذكية وتطبيقاتها في السنوات القليلة الماضية الركيزة الأساسية للمحوّر التقني حيث عملت جميع الشركات على دخول هذا المجال، وكثّفت جهودها بشكل كبير للمُنافسة بكل ضراوة على حجز مكان لها فيه. وخلال هذه الفترة أيضًا، أثار الذكاء الصنعي ( الاصطناعي ) حفيظة الكثير من الشركات، حيث أُخذ على محمل الجد أيضًا إلى جانب الأجهزة الذكية وتطبيقاتها.
وتتوفر أمامنا أمثلة كثيرة عن الذكاء الصنعي داخل الأجهزة الذكية مثل اقتراح تشغيل بعض التطبيقات على المُستخدم في وقت مُعيّن أو عند وصوله إلى موقع جغرافي، وذلك لأن النظام يُراقب عادات المُستخدم ويُحاول التعلّم منها وإيجاد رابط فيما بينها لتقديم اقتراحات تجعل منه نظامًا أذكى.
وللوقوف على الذكاء الصنعي في أحدث أشكاله، يُمكن الإطلاع على مُساعد جوجل الرقمي الجديد Google Assistant أو المُساعد الرقمي Viv، فهي أمثلة جميلة جدًا تُخبرنا عن شكل المُستقبل وكيف ستتغير آلية تعاملنا مع الأجهزة الذكية وإنترنت الأشياء.
لكن وعلى غير العادة، لم تعد ترتبط هذه الابتكارات أو القفزات النوعية في مجال الذكاء الصنعي بشركة آبل كما كان الحال عليه في السابق، فالشركة عوّدتنا دائمًا على الابتكار وتقديم كل ما هو جديد، إلى جانب شركات ثانية بكل تأكيد، لكن ومنذ بداية العام الجاري تعرّضت آبل للكثير من الانتقادات، بل ومنذ العام الماضي والشركة تُعاني من غياب الابتكار مما جعلها مادّة دسمة للحصافة.
حالة الفتور التي تمر بها الشركة لها العديد من العوامل، لكن ظاهرة بعنوان " تحوّل نقاط القوّة إلى نقاط ضعف " يُمكن اعتبارها الصفة الأبرز التي تُعاني منها آبل، خصوصًا أن شركات عريقة مثل مايكروسوفت أو جوجل مرّت، وما تزال تمر، بها.
surface_pro_4_vs_ipad_pro_10
مايكروسوفت وبالعودة ثمان أو تسع سنوات إلى الخلف أطلقت لنا منصّة Windows Live المكوّنة من مجموعة من الخدمات التي تعمل على الإنترنت مثل البريد الإلكتروني، مشاركة الصور أو تدوين الملاحظات ونشر المقالات على الإنترنت. ولكي نكون أكثر دقّة فقائمة المُنتجات احتوت على شبكة اجتماعية باسم Spaces، ومنصّة للأسئلة والأجوبة على غرار Quora حملت اسم QnA، بالإضافة إلى تطبيق مسنجر Messenger الذي كان يسمح للمُستخدمين بالتواصل فيما بينهم عبر الإنترنت باستخدام الأجهزة المُختلفة.
لو تناولنا كل مُنتج لوحده لوجدنا أنه يُمثّل صيحة من صيحات العصر الحالي، فالشبكات الاجتماعية تُقدر قيمتها بملايين الدولارات اليوم، ومنصّة Quora أيضًا لها هذا التقييم من الناحية المالية، دون نسيان تطبيق واتس اب للتواصل الفوري الذي بيع بمبلغ يصل إلى 19 مليار دولار أمريكي.
وبمعنى آخر، مايكروسوفت قدّمت قبل ثمانية أو تسعة أعوام مُنتجات وأفكار أصبحت الآن تدر الملايين على أصحابها، لكن الغريب أن مايكروسوفت ليست جزءًا منها !
نقطة قوّة مايكروسوفت تتمثّل في نظام ويندوز الذي يُعتبر الهويّة الأساسية لها، وهو ما عملت على نقله في منصّة Windows Live حيث عملت على استخدام نفس واجهات ويندوز داخل تطبيقات الويب لتوحيد التصاميم وتجربة الاستخدام، لكنها أيضًا، للأسف، تبنّت نفس آلية تطوير أنظمة التشغيل عند تطوير مُنتجات هذه المنصّة.
عند تطوير مُنتج مثل أنظمة التشغيل، فإن دورة التطوير يجب أن تكون مدروسة بدقّة ودون قيود لكي لا تتسرّع الشركة وتُطلق المُنتج دون أن يكون جاهزًا، ولهذا السبب نجد أن الشركات تُطلق كل عامين تقريبًا تحديث كبير لضمان عمله بأفضل طريقة مُمكنة بعد تجربته لفترة طويلة.
لكن تطبيق نفس الآلية في تطبيقات الويب كان خطأ مايكروسوفت الأكبر، لأنها لا يجب أن تُعامل نفس مُعاملة أنظمة التشغيل، ولهذا السبب أطلقت الشركة مُنتج جديد داخل منصّة Windows Live كل عامين، وهو ما جعل الفجوة كبيرة فيما بينها.
أما الضرر الأكبر لهذه الآلية فيكمن في دورة حياة المُنتج، فالشركة تُخطط لمدة 6 شهور وتُحاول وضع كافة مُميّزات المُنتج، بعدها تبدأ مرحلة البرمجة والتطوير التي تستمر لمدة 6 شهور أُخرى على الأقل، وبالتالي مضت سنة كاملة دون وجود مُنتج جديد. بعدها تبدأ مرحلة الاختبارات التي قد تستمر لمدة عام، وبعد إطلاق المُنتج للعموم يُمكن أن يفشل بشكل فوري إذا لم يقتنع المُستخدمون به. لماذا سوف يفشل؟ لأن آلية التطوير تقتضي تحليل المُنتج من جديد لمدة 6 شهور، وإعادة تصميمه وهكذا تستمر الدورة نفسها.
بناءً على ذلك، فشلت هذه المنصّة من مايكروسوفت على الرغم من كونها السبّاقة في مجالات ناجحة في الوقت الراهن، وتبيّن لنا أن استخدام آلية تطوير ناجحة في مُنتج ما، لا يعني أنه سوف ينجح في مُنتج آخر.
ولو تركنا مايكروسوفت وتوجهنا نحو جوجل، فإن عملاك الإنترنت يُعاني هو الآخر من نقاط قوّة تحوّلت إلى نقاط ضعف فيما بعد.
ما يُميّز شبكة اجتماعية عن شبكة أُخرى، أو تطبيق عن الآخر في وقتنا الحالي هو الوقت الذي يقضيه المُستخدم داخل هذه الشبكة أو التطبيق. أي بمعنى آخر، مُستوى إدمانه على استخدام هذا المُنتج.
ولو أخذنا شبكات جوجل الاجتماعية، التي سبق وأن تحدثنا عن فشل بعضها وتناولنا الأسباب بالتفصيل، لوجدنا أن جوجل ما زالت تسير في نفس فكرها الخاص، وهو ما بدا جليًّا في تطبيق Spaces، وهو عكس فكر بقيّة الشركات التي حققت نماذجها نجاحًا باهرًا، بينما فشل نموذج جوجل في تحقيق أي طفرة حتى الآن.
جميع الشركات الناجحة مثل فيسبوك، سناب تشات، واتس آب أو غيرها الكثير توظّف مجموعة من الأشخاص لتحليل أداء المُستخدمين داخل التطبيق ومُحاولة إيجاد طرق جديدة لدفعهم على البقاء بداخله لفترة أطول. تخيّلوا معي أن جوجل تسير عكس ذلك، وهذا على لسان أحد موظفيها المُتخصصين في مجال أخلاقيات التصميم !
جوجل وظّفت هذا الشخص والكثير مثله من أجل إبعاد المُستخدم عن إدمان استخدام تطبيقات الشركة الاجتماعية مثل هانج أوتس أو جوجل بلس، وهو ما يُفسّر جزءًا من أسباب فشل الشركة على الصعيد الاجتماعي، دون إهمال أسباب أُخرى تتمثّل بعدم وجود روابط بين خدماتها على الإنترنت.
تمتلك جوجل مجموعة كبيرة جدًا من بيانات المُستخدمين التي تعمل على تحليلها بشكل دائم لتقديم أفضل تجربة استخدام مُمكنة وتعلّم تفضيلات وسلوكيات مُستخدميها بأفضل شكل مُمكن. لكنها في نفس الوقت لم توظّف هذه البيانات عند تطوير تطبيقاتها الاجتماعية، بل وظّفت مسؤولًا يُبعد جميع العناصر التي تدفع المُستخدم على إدمان استخدام هذه التطبيقات، وبالتالي فشلت جوجل في مُعظم شبكاتها الاجتماعية السابقة، وقد تفشل في التجارب القادمة.
ما ورد أعلاه يوضّح تمامًا خطأ استخدام نموذج ناجح في مكان آخر، فلكل مُنتج نموذجه الخاص وظروفه الخاصّة، وهو ما تعمّدت بعض الشركات أو غفلت عن مُلاحظته، وهو ما أدى ببعض مُنتجاتها إلى الفشل. وللحديث عن خطر هذه الظاهرة على شركة آبل، سوف يتناول الجزء الثاني من المقال هذه النقطة بالتفصيل.
المصدر : موقع عالم التقنية
المصدر هاشتاق عربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق