هاشتاق عربي – إبراهيم المبضيين
كثيرة هي الأشياء والأدوات والأجهزة التي عاشت معنا لسنوات طويلة، وقدّمت لنا خدمات جليلة وسهلّت حياتنا الإجتماعية والعملية حيث كانت تصنّف من الضروريات ولم نكن نقدر على الإستغناء عنها ، لكن التقدّم التكنولوجي والإتصالاتي غيّب الكثير من هذه الأشياء التي بدات تنسحب وتختفي من حياتنا دون أن ندري.
ونحن اليوم بفعل إنجذابنا للتكنولوجيا تجاهلنا بعض هذه الأشياء والأجهزة، حتى أصبحت شبه منسية مركونة في زوايا بيوتنا او داخل خزائننا، فيما فضل بعضها الانسحاب كليا من حياتنا عندما لم يعد في جعبته ما يقدمه لنا وسط هذا " التسونامي" من التكنولوجيا والاجهزة الذكية وتطبيقاتها.
فاليوم، لا احد منّا ينتظر بلهفة رنة من هاتفه الأرضي ليتلقى مكالمة من صديق او قريب ، ومن منا يسرع في الوصول الى المكتب او البيت ليجري مكالمة هامة عبر هذا الهاتف الثابت الذي جر عليه ثباته الكثير من الخسائر.
لم يعد الهاتف " الثابت" مهما كما كان قبل نحو 20 عاما عندما كان يتسيد الموقف، ويتميز بحضور قوي في منازلنا، ولكنه خلال العقدين الماضيين لم يقوى على منافسة غريمه " الهاتف المتنقل" الذي تسلل الى حياتنا ليجذب الملايين بميزة تنقله وما يحويه من خدمات وتطبيقات وارتباط بشبكة الإنترنت بعد ان تطور الى حالة " الهاتف الذكي" ليسحب البساط كليا من تحت أرجل ذلك الهاتف الثابت العجوز…..!
ولكن الهاتف الارضي – رغم ما حدث عليه من تراجع كبير على استخدامه خلال العقد الماضي، فهو لا يزال يحتفظ ببعض بريقه، فالحاجة لا زالت موجودة الى خدماته في المؤسسات والشركات عندما اضحى يمثل جزءا من عناوين تلك المؤسسات والشركات مع اهميته لتوفير خدمات الإنتنرت السلكية ، كما لا تزال بعض العائلات الكبيرة تفضّل تواجده في منازلها وخصوصا مع قربه وبساطته من وجهة نظر كبار السن.
ومع إحتفاظه ببعض خدماته ، فوضعية الهاتف الارضي افضل بكثير من وضعية " الرسالة الورقية" التي إختفت كليا من حياتنا، فمنذ 15 عاما لا نهتم بكتابة رسالة ورقية ، ولم نعد نبحث عن الظرف البريدي او نزور المكتب البريدي لإرسال رسالة بريدية الى قريب أو صديق باعدت بيننا وبينه ظروف حياة ، فالرسائل النصية الخلوية ورسائل الايميل وشبكات التواصل الاجتماعي قضت على الرسالة البريدية تماما، وتطبيقات التراسل الفوري وشبكة الإنترنت اختصرت علينا الوقت وألغت حواجز وحدود الجغرافيا لتجعل هذا العالم بالفعل قرية صغيرة لا مكان لساعي البريد فيها .
وقائمة المتأثرين بالتكنولوجيا وبتطورها المثير لا تقتصر فقط على الهاتف الأرضي والرسالة البريدية الورقية، فهي كبيرة تضم ايضا " ألبوم الصور التقليدي" الذي لم يعد احد يكترث لوجوده الا الكبار ممن لا يزالون يحتفظون بصورهم وذكرياتهم على صفحاته ففي زمنهم لم تكن الحواسيب والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بكاميراتها الحديثة قد وجدت…..
وبينما يقلّب الأب والجد صفحات البومات صورهم التقليدية ليرجعونا الى الزمن القديم، نجد الأبناء يحتفظون بصورهم في ألبومات صورهم الرقمية : على حواسيبهم او هواتفهم الذكية او على صفحات حساباتهم الشخصية على الفيسبوك و انستغرام ، لقد غختفى ألبوم الصور التقليدي وتحوّل الى " ألبوم رقمي".
وفي الوقت ذاته لم نعد نتذكر اليوم ونستخدم الكاميرات التقليدية كثيرا بعد ان عاشت معنا سنوات ترافقنا في رحلاتنا والاحداث العامة والمناسبات الإجتماعية المميزة، فالهواتف الذكية بكاميراتها المتطورة وتقنيات التصوير والبث المباشر اصبحت بديلا مفضلا لدى الكل، يلتقطون صورهم في كل زمان ومكان، وننشر ونشارك هذه الصور رقميا في اللحظة وبكبسة زر مع اصدقاءنا وشبكة معارفنا، فالسرعة هي الطابع العام في حياتنا اليوم.
لقد احدث الهاتف الذكي انقلابا حقيقيا في حياتنا، وراجع من ادوار واهمية الكثير من أشياءنا وادواتنا القديمة، فقط حلّ هذا الجهاز " متعدد الوظائف والادوار" محل الساعة، والمنبّه التقليدي الذي أراه مركونا في زاوية الغرفة دون أن يكترث به أحد، فهواتفنا الذكية تكفلت باتصالاتنا ورسائلنا وتنبيهنا لصحوة مبكرة، كما تكفلت بعض تطبيقاتها بالتنبيه لمواعيد خاصة وهامة، وزودتنا بتطبيقات أخرى لجدولة اعمالنا ولقاءتنا…….
والتطور رهيب في صناعة هذه الأجهزة الذكية، فقد ظهرت منذ سنوات صناعة جديدة مرتبطة بالهواتف الذكية ومكملة لادوارها قد تهدد صناعة الساعات التقليدية بشكل كبير، الا وهي صناعة الساعات الذكية التي تقدم للمستخدم على معصمع ارتباطا بشبكة الانترنت وتزوده بتنبيعات للمكالمات الواردة على هاتفه واخرى للرسائل كما انها ادخلت الكثير من التطبيقات الصحية والرياضية التي تفيد المستخدم في حياته الشخصية.
هذه التكنولوجيا مجنونة لم تترك مجالا الا وطرقته، فالكتاب الورقي والصحيفة الورقية تتعرض اليوم لهجمة شرسة من الانترنت وتطبيقات الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي والتي نقلت الناس من القراءة بالوسائ التقليدية الى قراءة " الاون لاين"، ….
اليوم تستطيع تحميل وقراءة الكتب على هاتفك الخلوي او حاسوبك الشخصي وجهازك اللوحي ، وبكبسة زر تصلك الاخبار من كل الدنيا في لحظة وقوعها…..
من منا اليوم يتذكر المسجّل وشريطه القديم، لقد اصبحت هذه الادوات جزءا من ذكرياتنا ، فاليوتيوب وتطبيقات الموسيقى والفيديو حاضرة على الانترنت ، ونستطيع سماع ومشاهدة ما نشاء في اي وقت نريد.
وقد تأثر سلوك ومشاهدتنا للافلام والقنوات التلفزيونية كثيرا، فنحن اليوم نتجاهل هذه الاشياء لصالح يوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي، كما ان كثير من ادوات التعلم والمعرفة انقرضت ولم نعد نلجأ اليها فالاستاذ " جوجل" موجود وبكبسة زر نحصل على ما نريد من المعلومات في اي وقت نشاء.
نقتني اليوم الهواتف الذكية ، ونلاحق تطوراتها وننتظر بشغف النسخ الجديدة من " الجالاكسي" و " الايفون" وغيرها من العلامات التجارية، وفي الوقت نفسه تختفي الكثير من الأشياء والاجهزة والادوات من حياتنا ……
نقتني جهازا واحدا، واشياءنا الكثيرة تختفي، ……..
ولكنني أسأل الان : هل سياتي يوما نشهد فيه تطورا تقنيا ثوريا يظهر أجهزة جديدة تقضي على الهاتف الذكي ليختفي هو الاخر من حياتنا ، ……، اعتقد بان ذلك ليس ببعيد او غريب عن عالم الاتصالات المجنون ….
المصدر هاشتاق عربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق