السبت، 31 ديسمبر 2016

البربيطة”.. امتحان الضمير

هاشتاق عربي- موفق ملكاوي – لم يكونوا فقراء جيدين؛ فقد كشفوا عوراتنا، وأحرجونا حين سمحوا لعدسات الكاميرات أن تلتقط واقعهم الذي يعيشونه بعيدا عن "الدوار الرابع"، حيث "تزدهر" البيانات الموسمية عن "عبقرية" الخطط الخمسية والعشرية، وتحقيق التنمية باستهداف البيئات الأقل حظا.
لم يكونوا فقراء جيدين، حين سمحوا بتعريتنا أمام فقرهم وحاجتهم وتركنا لهم وحيدين يقارعون الجوع، بعيدا عن "العبدلي"، حيث برلماننا العتيد الذي ما يزال أعضاؤه مصرين على "صفقات" لا تقترب من مصالحهم، ولا تقترب من آلامهم وهواجسهم.
لم يكونوا فقراء جيدين، كغيرهم ممن جاع وسكت، حين طرقت صورهم بقسوة أبواب مكاتبنا الفارهة، بينما نحن نحاول تدبيج مقالات وبيانات عن المواطنة التي تعني العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، فنسينا المقدمات التي كتبناها، تماما مثلما نسيناهم زمنا طويلا وسط جوعهم وبردهم وصمتهم في "البربيطة".
البرد يسومهم العذاب منذ أن تشكلت ملامحهم الصغيرة بما يشبه جغرافيا هذا الوطن المبتلى بالفاسدين والسماسرة، غير أنهم لم يتأخروا عن أي طريق طلبهم البلد إليها، ولم يتوانوا عن أن يعلوا صوتهم هادرا بالتهديد والوعيد لكل من تسوّل له نفسه التفكير في استهداف حضن الوطن الآمن. لكن، ولسوء حظهم، فإن الكاميرات تظل مسلطة دائما باتجاه عمان، فضاعت أصواتهم مع رياح "البربيطة".
لا شيء يمكن أن يغطي عوراتنا بعد تلك الصور التي صفعنا بها الزميل محمد القرالة، لا شيء على الإطلاق، حتى إعلان وزارة التربية والتعليم عن صرف مبلغ لطلبة مدرسة "البربيطة" لتوفير كسوة الشتاء.
"البربيطة" لا يمكن أن تكون النقطة السوداء الوحيدة في ضميرنا المدّعي الخرب، فهناك بيئات كثيرة مثلها، وربما أشد إيلاما وقسوة، لكن عدسات الكاميرات ما تزال غافلة عنها، ولم ترصدها أعين من يتوجب عليهم أن يعملوا في الميدان لرصد جيوب الفقر، وتقديم حلول عملية لتقليص هامش الجوع الذي بات ينخر في نسبة لا بأس بها من المواطنين.
اليوم، هذه البيئة، وغيرها الكثير مما هو مخفي ولم يحن الأوان لكشفه، تقف شاهدة على الفشل الحكومي المتراكم الذي سعى على الدوام إلى سد العجوزات من جيب المواطن، وظل يسن القوانين والجبايات المتلاحقة، حتى أصبح الفقر والجوع وامتهان الكرامة واقعا نعيشه كل يوم.
البربيطة أيضا، شاهد على فشل برلماناتنا التي لم تستطع كبح جماح الحكومة في تغولها على المواطن، ولم تستطع أن تكون صوتا للمواطن الذي يستصرخ الضمير، بل انحازت إلى مصالحها، ونسيت الأمانة التي أوكلت إليها.
هذه البيئات هي خطيئتنا كلنا: الحكومة والنواب والأحزاب ومؤسسات القطاع الخاص والمواطن. فإما أن يكون انحيازنا للإنسان بدهيا، أو أن نكون مجرد سماسرة انتهازيين، لنسقط الإنسان من حساباتنا فلا يعنينا الإنسان ومستقبله في شيء.
الغد



المصدر هاشتاق عربي

المصدر

0 التعليقات:

إرسال تعليق